١.١ مقدمة عن علم الطبقات


تعريف الطبقة

"الطبقة" مفرد، والجمع: "الطبقات" أي: كتاب الطبقات.
وكلمة "الطبقات" إذا استعملت للمكان كان معناها: التساوي، أو طبقة فوق طبقة. وإذا استعملت للدلالة على الزمان كان معناها: التساوي، أو الشيء بعد الشيء.
مثال ذلك: الآية الثانية من سورة (الملك), والآية الرابعة عشرة من سورة (نوح), وذلك في قول الله تعالى: ((خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا)) [نوح: ١٥].
و"الطبقة" أيضًا هي: طبقة الدار. وكما يقال: طبقات العين.
وإذا استعملت كلمة "طبقات" للزمن، فإنها أيضًا تدل على: الجيل. يقول فقهاء اللغة: إن كلمة "طبقة" ترادف كلمة: قَرْن.
وتُستخدم كلمة "طبقات" للدلالة على: الأُسَر الملكية الحاكمة القديمة في فارس.


١.١ مقدمة عن علم الطبقات


تعريف الطبقة

ولعل الأصل فيها هو: اهتمام العرب بالأنساب والتراجم. فقد وُجدت قبل كتاب "الطبقات" لابن سعد, (ت٢٠٣هـ), أو قُلْ في زمنه على الأقل. وُجدت سلسلة من كتب الطبقات لم يصل إلينا مُعظمها, وهي تتناول القُرّاء والفقهاء والشعراء. ذلك أننا نجد علاوة على كتاب واصل بن عطاء (ت١٣١هـ) المستقل بذاته في ذلك العهد المتقدم, والموسوم بعنوان: "طبقات أهل العلم والجهل". ونجد أيضًا كُتُبًا أخرى مثل: "طبقات الشعراء" لابن النديم. ونجد كتبًا لياقوت والهيثم بن علي (ت٢٠٧هـ).
نجِد أيضًا كتب لطبقات الفقهاء والمحدِّثين, وطبقات مَن روى عن النبي -صلى الله عليه وسلم-. نجد طبقات الفرسان, لعلّ المقصود: الشعراء.


١.١ مقدمة عن علم الطبقات


تعريف الطبقة

التصانيف في الطبقات

وقد كان تصنيف أجيال الأعلام في طبقات من الأمور التي يصعب الاستفادة منها, فضلًا عن أن يحول بيننا وبين العثور على علم بعينه في وقت قصير؛ ومن ثَمَّ نُظِّمَ هذا التصنيف من بَعد, فضُمَّت الفترات المتساوية في الزمن بعضها إلى بعض, ورُتِّبَ الأعلام داخل كل فترة ترتيبًا أبجديًّا في الغالب.
وأقدم مثال على ذلك هو كتاب "طبقات الصوفية" للسلمي (ت٤١٤ هـ). وثمة كتب من هذا القبيل هي: "طبقات الشافعية" للسبكي (ت٧٧١هـ), وابن الملقن (ت٨٠٤هـ), وابن دقناق (ت٨٠٩هـ), الذي رتَّبَ على القرون, وابن قاضي شبة (ت٨٥١هـ), الذي رتَّبَ كتابه على فترات, كلُّ فترة عشرون سنة.
وخير السبيل لتحاشي هذه الصعوبات قد تيسرت مجموعة كتب الطبقات التي سادت في زمن متأخِّر متَّبِعَة الترتيب الأبجدي في جميع تراجمها, فبعدت لطبيعة الحال كلَّ البعد عن المعنى الحق لكلمة "طبقة", وكان يعبَّر عن ذلك في معظم الأحوال بإضافة شيء إلى عناوينها.


١.١ مقدمة عن علم الطبقات


تعريف الطبقة

التصانيف في الطبقات

وأقدم كتاب من هذا القبيل هو: الكتاب الذي فُقِد فيما يظهر وعنوانه: "تاريخ طبقات القُرَّاء" لعثمان بن سعيد الداني (ت٤٤٤هـ). وقد جرى على هذه الخطة أيضًا ابن الجزري (ت٨٣٣هـ) في "غاية النهاية في طبقات القراء", وكذلك القرشي (ت٧٧٥هـ), الذي ألَّف "الجواهر المضيئة في طبقات الحنفية", وغير ذلك من الكتب الكثيرة...


١.١ مقدمة عن علم الطبقات


تعريف الطبقة

"الطبقة" في الاصطلاح:

هم العلماء المتعاصرون في قرن معيَّن من الزمان, في أي فنٍّ من الفنون كالتفسير والقراءة والفقه والشعْر, وغير ذلك من هذه الأمور...

"طبقات المفسرين" تعني: العلماء الذين عاشوا في عصر واحد, في علم واحد, في قرن واحد, هذا القرن حوالي مائة سنة. إذن كل علماء مائة سنة في أي علم من العلوم يقال عليه: "طبقة". وطبقة أولى، تليها طبقة ثانية، وثالثة، وهكذا...
أما الطبقات ينظر فيها بالذات إلى أحوال تلك الشخصية, أما المواليد والوفيات هذه أمور عرضية أو أمور ثانوية.

١.١ مقدمة عن علم الطبقات


الفرق بين علم الطبقات، وعلم التاريخ

نريد أن نسأل سؤالًا هنا: ما الفرق بين علم الطبقات وعلم التاريخ؟

إن الفرق بينهما من وجهين، وهما:



إنهما يجتمعان في التعريف بالرواة, وينفرد التاريخ بالحوادث. والطبقات إذا كانت في البدريين مثلًا: مَن تأخرت وفاته عمَّنْ لم يشهدها, لاستلزامه تقديم المتأخِّر بالوفاة. إذن التاريخ ينفرد بالحوادث, والتاريخ وعلم الطبقات يجتمعان في التعريف بالرواة, فبينهما عموم وخصوص.

١.١ مقدمة عن علم الطبقات


علم طبقات المفسرين

إذن كتب الطبقات تشمتل على: ذكر الشيوخ وأحوالهم ورواياتهم, طبقة بعد طبقة, وعصرًا بعد عصر, إلى زمن المؤلِّف. ولقد ذكرنا عِدَّة كتب لهذه الطبقات منها: كتاب "الطبقات" لمسلم بن الحجاج, ولأبي عبد الرحمن النسائي, و"الطبقات الكبرى" لأبي عبد الله بن منيع الهاشمي البصري الحافظ، نزيل بغداد, والمعروف بكتاب الواقدي.

هذا بالنسبة للطبقات التي وجدت في تلك العصور المختلفة؛ لكن بالنسبة لعِلم طبقات المفسرين, فقد أُلِّفَت كتب كثيرة في هذا العلم؛ حيث ذكر طاش زادة في كتابه "مفتاح السعادة": أنَّه قد ألِّف في طبقات هذا العلم المجلدات الكبار, منها مثلًا:


١.١ مقدمة عن علم الطبقات


"طبقات المفسرين" للحافظ جلال الدين أبي الفضل عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي, (ت٩١١هـ), وكتابه هذا حقَّقه علي محمد عمر, ونشرته مكتبة وهبة بالقاهرة سنة (١٣٩٦هـ), وعدد تراجم هذا الكتاب (١٣٦) ترجمة. وقد رتَّبَه المؤلف على حروف المعجم, ولم يُطل في الترجمة على الأغلب.

١.١ مقدمة عن علم الطبقات


كتاب "طبقات المفسرين" لأحمد بن محمد الأدنوي

التعريف بالكتاب
المحقق يقول: "لم أجد له ترجمة, فهو كُتب أنَّه من علماء القرن الحادي عشر". والمحقق هو: سليمان بن صالح, الأستاذ المساعد بكلية القرآن الكريم والدراسات الإسلامية بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة. هذا العالم من علماء القرن الحادي عشر. وقد نصَّ المؤلف على عنوان الكتاب في مقدمته حيث قال: "فهذا المجموع فيه طبقات المفسرين من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-, ثم المفسرين من التابعين, ثم من سائر الأئمة المفسرين, على ترتيبهم -رحمهم الله-".
ويؤكّد المحقق نسبة الكتاب إلى مؤلفه فيقول: "ممّا يؤكد نسبة الكتاب إلى المؤلِّف: أنَّه قال في آخره: "الحمد لله على الإتمام والاختتام, والصلاة على رسوله محمد سيد الأنام, وعلى آله وأصحابه السادات الكرام، من ترتيب هذه الطبقات بأحسن النظام, في اليوم الخامس من شهر ذي الحجة الشريفة في سنة خمس وتسعين وألف من هجرة مَنْ له العز والشرف, على يد جامعه وكاتبه أحمد بن محمد".


١.١ مقدمة عن علم الطبقات


كتاب "طبقات المفسرين" لأحمد بن محمد الأدنوي

منهج المؤلف في كتابه

قَسَّمَ المؤلِّف كتابه إلى فصول, كلُّ فصل خصَّصه بتراجم المفسرين خلال مائة سنة. هكذا المائة الأولى من عصر الصحابة إلى سنة (١٠٠هـ), ثم إلى سنة (٢٠٠هـ)، وهكذا إلى أواخر القرن الحادي عشر الهجري.
ينقل المؤلِّف أحيانًا الترجمة بنصِّها من أحد المصادر التي اعتمدها. يذكر في الترجمة: اسم المترجَم, ونسبه ونسبته. ثم يصفه بالفقيه أو المحدِّث أو الحافظ. وقد يذكر شيئًا من مناقبه, ثم شيوخه, وتلاميذه باختصار. ثم يذكر بعض كتبه, وخاصة ما يتعلّق بالتفسير وعلومه.
جعَل المؤلف في آخر كتابه فصلًا خاصًّا بِمَن ألَّف في بعض أنواع علوم القرآن.


١.١ مقدمة عن علم الطبقات


كتاب "طبقات المفسرين" لأحمد بن محمد الأدنوي

قيمة الكتاب العلمية

تتجلَّى قيمة الكتاب العلمية في أمور كثيرة منها:

طريقة ترتيب الكتاب: حيث رتَّبَه المؤلّف على الطبقات بمعناها عند المحدِّثين؛ حيث جمع المفسرين من كل قرن في فصل خاصٍّ مرتَّبين على سنين وفاتهم. وفي هذا الترتيب فائدة هامَّة في الوقوف على تطور الحركة العلمية في كل عصر, وكذا في معرفة الشيوخ والتاريخ.

١.١ مقدمة عن علم الطبقات


كتاب "طبقات المفسرين" لأحمد بن محمد الأدنوي

قيمة الكتاب العلمية

وبكل حال, الذي يطَّلِعُ على هذا الكتاب, يجد فيه الفائدة العلمية التي لا يشك فيها, وليس كما قال محقق "طبقات المفسرين" للداودي: أنه جاء غير وافٍ لعلماء التفسير, كما أنه جاء غير واف لحاجة البحث.

إنَّ الكتاب استوفى فيه المؤلِّف ذكْر المفسرين حسب ما وجَده في كتب التراجم التي لم يرجع إلى بعضها الداودي، كـ"تاريخ الذهبي" و"تاريخ السخاوي" وغيرهما... ذلك أنَّ محقق الداودي وقف كغيره من الباحثين على نسخة الكتاب الأولى التي تُعتبر كمسودة للمؤلف, والتي كثر فيها الخلط في التراجم, والوهم في الوفيات, وكثر في أواخرها الكشط, وإضافة التراجم في الهوامش. ولو اطَّلَع محقق "طبقات المفسرين" للداودي على النسخة التي حققتها لتبيَّن له: أن للكتاب قيمة علمية. ومما يؤكِّد ذلك: أن كثيرًا من الباحثين قد استفادوا من هذا الكتاب، ورجعوا إليه ونقلوا منه، كمحقِّق "تاريخ الإسلام", ومحقق "السيَر" وغيرهما... وكلهم اعتمدوا على النسخة الأولى.


١.١ مقدمة عن علم الطبقات


كتاب "طبقات المفسرين" لأحمد بن محمد الأدنوي

قيمة الكتاب العلمية

يقول محقق الكتاب: "هذه القيمة العلمية التي ذكرناها للكتاب لا تخلو من وجود أخطاء وأوهام في الكتاب, ومنها:
أوهام في بعض الوفيات.
بعض الأوهام في نسبته لبعض الكتب.
أخطاء في النقل من بعض الكتب.

وهذه الأوهام والأخطاء التي وقعت للمؤلف قد نَبَّه المحقِّق عليها في مواضعها من الكتاب".


١.١ مقدمة عن علم الطبقات


كتاب "طبقات المفسرين" لأحمد بن محمد الأدنوي

مصادر المؤلف
ذكر المؤلّف في مقدمة كتابه المصادر التي اعتمد عليها, وهي: فضلا انقر على الأرقام للتفصيل


١.١ مقدمة عن علم الطبقات


المصدر الأول: "تاريخ ابن خلِّكان" وهو كتاب: "وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان" لأبي العباس أحمد بن محمد بن إبراهيم البرمكي الإربلي, عرف بابن خلكان ت٦٨١هـ), وهذا الكتاب مطبوع بتحقيق إحسان عباس.