1.4 موضوع علم القراءات، واستمداده، وفائدته، وغايته، ومصطلحاته
 |
أما موضوع علم القراءات فهو: دراسة ما نُقل من الخلاف الأصولي والفرشي عن أئمة القراءات بأسانيدَ متصلة ومتواترةٍ إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- في الكلمات القرآنية من حيث أحوال النطق بها، وكيفية أدائها، وما دام أن القراءة سنة متبعة كما أُثِرَ ذلك عن أكثر من صحابي، فيعني ذلك أن القراءاتِ هي ما نُقل من ألفاظ القرآن الكريم عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- تلاوةً، أو تقريرًا |
 |
أما استمداده: فهو من السنة والإجماع، ونقصد بقولنا: "من السنة" أي: من النقول الصحيحة المتواترة عن علماء القراءات المتصلة السندِ إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- |
1.4 موضوع علم القراءات، واستمداده، وفائدته، وغايته، ومصطلحاته
 |
أما فائدته: فهي صيانة القرآن الكريم من التحريف والتغيير مع ثمرات كثيرة، ولم يزل العلماء يستنبطون من كل حرف يقرأ به قارئ معنى لا يوجد في قراءة الأخرى، والقراءة حجَّة الفقهاء في الاستنباط، وحجتُهم في الاجتهاد مع ما فيه من التسهيل على الأمة |
 |
أما غايته: فهي معرفة ما يَقرأ به كل قارئ من أئمة القراء |
وهناك بعض المصطلحات التي نتعرَّض لها في أثناء قراءتنا لهذه المادة يجب أن نعرفها، وهي القراءة، والرواية، والطريق والوجه، وهذا كله أيضًا له أثر في التفسير وفي الأحكام، وفي اللغة العربية
1.4 موضوع علم القراءات، واستمداده، وفائدته، وغايته، ومصطلحاته
تعريف كل من القراءة، والرواية، والطريق، والوجه
 |
القراءة: هي كل خلاف نُسب إلى إمام من أئمة القراءات مما أجمع عليه الرواة عنه، مثال ذلك (( اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ )) [الفاتحة: 6] فقد قرأها قُنبل ورويث بالسين، وقرأها حمزة بالإشمام، فقرأ قنبل ورويث هكذا: "اهدنا السراط المستقيم" وقرأها حمزةُ هكذا: "اهدنا الظراط المستقيم" هذا يسمى إشمامًا، وقرأها باقي القراء ومعهم رويث في الوجه الثاني هكذا: (( اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ )) بالصاد الخالصة؛ فقُنبل هو أحد راوية ابن كثير، ورويث هو أحد الراويين عن يعقوب، فحين نقول "اهدنا الظراط" بالإشمام تكون هذه قراءة حمزة بكامله أما حين نقول: "اهدنا السراط" بالسين لقنبل ورويث في أحد وجهييه نقول: رواية قنبل عن ابن كثير، ورواية رويث عن يعقوب أما حين نقول: (( اهْدِنَا الصِّرَاطَ )) بالصاد الخالصة، وتُنسب إلى نافع أو إلى أبي عمرو أو ابن عامر أو عاصم أو الكسائي، فهؤلاء جميعًا يُعتبرون أئمةً، فنقول: قراءة نافع، قراءة أبي عمرو، قراءة ابن عامر، قراءة عاصم، قراءة الكسائي، وهكذا |
1.4 موضوع علم القراءات، واستمداده، وفائدته، وغايته، ومصطلحاته
 |
تعريف الرواية لغةً واصطلاحًا: مادة روى لها في اللغة أصل واحد تدور حوله استعمالاتها، فالرَّوْيُ ما كان خلاف العطش، تقول: رويت من الماء ريًّا، وهو راوٍ من قوم الرواة، وهم الذين يأتونهم بالماء، تقول: روى من الماء يروي ريًّا، وسقيته رَيًّا ورِيًّا، وعين الرِيَّة: إذا كانت كثيرة الماء، ورويت للقوم أروي لهم: إذا استقيت لهم، والبعير الذي يُحمل عليه الماء الراوية، وكثر ذلك حتى سَمُّوا المزادة راويةً، وسمي يوم التروية وهو الثامن من ذِي الحجة؛ لأنهم كانوا يرتوون من الماء لَمَّا بعد من أيام الحج في مِنى وعرفات، فالأصل في معنى هذه المادة هو هذا، ثم اشتُقَّ منه لحامل ما يروى منه، شُبّه به الذي يأتي القوم بعلم أو خبر فيرويه كأنه أتاهم بريِّهم من ذلك، تقول: هو راوية للحديث، وروي الحديث حمْله من قولهم: البعير يروي الماء أي: يحمله، وحديث مروي وهم رواة الأحاديث ورَاوُوْهَا حاملوها، كما يقال: رواة الماء تقول: روَّيْتُه الحديث أي: حملته على روايته، ورويت الحديث والشعر أرويه رواية رجل راوٍ للشعر وراوية الهاء للمبالغة |
1.4 موضوع علم القراءات، واستمداده، وفائدته، وغايته، ومصطلحاته
 |
أما في الاصطلاح عند علماء القراءات: فالرواية ما يُنسب للآخذين عن الإمام الذي اتفقت عليه الروايات والطرق عنه، ففي المثال الذي ذكرناه سابقًا حين قلنا: رواية قنبل عن ابن كثير، هذه الرواية؛ لأن الراويين لم يتفقَا على قراءة واحدة؛ حيث قرأ البَزي "الصراط" بالصاد، وقرأها قنبل بالسين؛ فنقول: رواية البزي عن ابن كثير بالصاد، أو رواية قنبل عن ابن كثير بالسين، وهكذا |
وعلى هذا، فإن المناسبة بين المعنى اللغوي والمعنى الاصطلاحي هي الارتواء والاكتفاء في كل؛ حيث إن الأصل في هذه المادة الارتواء من الماء ونقله، ثم أُطلق هنا على الآخذين عن إمام من أئمة القراءة عِلمًا يبلغ حدّ الكفاية والاستغناء في باب القراءة
1.4 موضوع علم القراءات، واستمداده، وفائدته، وغايته، ومصطلحاته
معنى الطريق
مادة طرق تدور في اللغة
مادة طرق تدور في اللغة حول أربعة أصول:
فضلا انقر على الأزرار للتفصيل
الإتيان مساء، وهو الطروق ويقال: إنه إتيان المنزل ليلًا
الضرب تقول: طرق الباب يطرقه طرقًا، والشيء يطرق ومطرقة
جنس من استرخاء الشيء، تقول: أطرق فلانُ في نظره والمطرق: المسترخي العين
خصف شيء على شيء أي: ضم الشيء إلى الشيء، ومن الأول الطريق؛ لأنه يتورَّد، ويجوز أن يكون من الرابع من خصف الشيء فوق الشيء، وذلك أنه شيء يعلو الأرض، فكأنها قط لقطبه وخُصفت به، ويقولون: تطارقت الإبل إذا جاءت يتبع بعضُها بعضًا، وهذا من الأصل الرابع في معاني هذه المادة
1.4 موضوع علم القراءات، واستمداده، وفائدته، وغايته، ومصطلحاته
وكذلك الطريق، وهو النخل الذي على صف واحد، وهذا تشبيه كأنه شبه بالطريق في تتابعه، وعلوّه الأرض، والطريق: السبيل، والطريقة: السيرة، وطريقة الرجل: مذهبه، والطريق المطروق: الممر الواسع الممتد أوسع من الشارع، قال تعالى: (( أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا )) [طه: 77] وقال تعالى: (( إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا )) [طه: 104] وقال تعالى: (( وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى )) [طه: 63] أي: السيرة والمذهب تقول: فلان حسن الطريقة حسن المذهب، والجمع: طرائق، فكأنه استُعير من معنى السبيل إلى كل مسلك يسلكه الإنسان في فعل محمود، أو مذموم
1.4 موضوع علم القراءات، واستمداده، وفائدته، وغايته، ومصطلحاته
مادة طرق تدور في الاصطلاح
 |
أما في اصطلاح علماء القراءات: فالطريق ما يُنسب للأخذ عن الراوي وإن سفل، فنقول مثلًا: رواية الأصبهاني عن وَرْش، ورواية قالون عن أبي نشيط، فإذا قرأنا مثلًا قولَ الله تعالى: (( وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا )) [الزمر: 73] إذا قرأناها لورش فورشٌ له طريقان: الأصبهاني والأزرق، الأزرق يقرأ بقصر المنفصل وبتوسطه أما الأزرق فليس له إلا المد قولًا واحدًا، فيقرأ هكذا: "وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرًا" فهكذا نقول: رواية الأصبهاني عن ورش إذا قرأنا بالقصر، وإذا قرأنا بالمد- ست حركات- نقول: رواية الأزرق عن ورش وسواء كان الأزرق أو الأصبهاني يسميان طريقًا؛ لأنهما أخذَا عن ورش، وورش يعتبر راويًا للإمام نافع -رحم الله الجميع رحمة واسعة- وهكذا |
1.4 موضوع علم القراءات، واستمداده، وفائدته، وغايته، ومصطلحاته
 |
والعَلاقة بين المعنى اللغوي والاصطلاحي على المعنى اللغوي الأول -وهو الإتيان ليلًا- عَلاقة تباين كما يظهر، أما على المعنى الثاني وهو خصف الشيء على شيء؛ فالعلاقة عموم وخصوص؛ فالمعنى اللغوي عام يشمل كل خصف شيء على شيء، والمعنى الاصطلاحي خاصّ فيما يتحصّل به المعنى في القراءات، وكأن صاحب الطريق مهَّد الوصول إلى رواية الراوي عن الشيخ وطَرَقها |
 |
أما الوجه: فإن مادة وجه تدور في اللغة حول معنى واحد، وهو مقابلة لشيء، والوجه مستقبل لكل شيء، يُقال: وجه الرجل وغيره، وربما عبَّر عن الذات بالوجه، وتقول: وجهي إليك، وتقول: وجه فلانًا فلانًا، فتوجه أي: انقاد واتبع، وشيء موجه: إذا جُعل على جهة واحدة لا يختلف أما في اصطلاح علماء القراءات: الوجه ما رجَعَ إلى اختيار القارئ من الاختلاف في القراءة، والعلاقة بين المعنى اللغوي والاصطلاحي علاقة توافق كما يظهر، وكأنه لما رجع إلى اختياره استقبله بوجه |
1.4 موضوع علم القراءات، واستمداده، وفائدته، وغايته، ومصطلحاته
 |
ويتضح معنى الوجه فيما ذكرناه للأصبهاني حين قرأنا قولَه تعالى: (( وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا )) قلنا: إن الأصبهاني يقرأ بالقصر ويقرأ بالتوسط، فحين قلنا: بالقصر، فهذا وجه، وبالتوسط يُعتبر هذا وجهًا آخرَ، فالقارئ إذا قرأ بأي وجه صح، فالتمييز بين القراءة والروايات والطرق يُسمى في اصطلاح علماء القراءات الخلاف الواجبَ، والخلاف بين الأوجه يُسمى في اصطلاحهم الخلاف الجائزَ، والفرق بين الخلافين أن خلاف القراءات والروايات والطرق خلاف نصّ ورواية؛ فلو أخلّ القارئ بشيء منها كان نقصًا في الرواية |
 |
أما خلاف الأوجه فليس كذلك، إذ هو على سبيل التخيير، فبأي وجه أتى القارئ أجزأ في تلك الرواية ولا يكون إخلالًا بشيء منها، فلا حاجةَ لجمعها في موضع واحد بلا داعٍ |
1.4 موضوع علم القراءات، واستمداده، وفائدته، وغايته، ومصطلحاته
 |
قال الإمام ابن الجزري -رحمه الله تعالى-: نعتقد أن معنى إضافة كل حرف من حروف الاختلاف إلى مَن أُضيف إليهم من الصحابة وغيرهم، إنما هو من حيث إنه كان أضبطَ له، وأكثر قراءةً وإقراءً به، وملازمةً له، وميلًا إليه لا غيرَ ذلك، وكذلك إضافة الحروف والقراءات إلى أئمة القراءة ورواتهم المراد بها أن ذلك القارئ وذلك الإمام اختار القراءةَ بذلك الوجه من اللغة حسبما قرأ به، فآثره على غيره، وداوم عليه ولزمه حتى اشتهرَ وعُرفَ به، وقصد فيه، وأخذَ عنه؛ فلذلك أضيف إليه دون غيره من القُراء، وهذه الإضافة إضافةُ اختيارٍ ودوامٍ ولزومٍ لا إضافةَ اختراع ورأي واجتهاد |