1.3 هل هناك فرق بين القرآن والقراءات؟


لقد تحدَّث علماء كثيرون عن الفرق بين القرآن والقراءات، فقال بعضهم: إنهما متفقان
وقال بعضهم: إنهما متغايران
وسوف أذكر ما ذكره الشيخ محيسن -رحمه الله تعالى- في هذا الموضوع
قال -رحمه الله-: لقد بَدَر عن بَدْر الدين الزركشي المتوفى سنة أربع وتسعين وسبعمائة ما يفيد أنهما حقيقتان متغايرتان، قال -رحمه الله-: قال الزركشي: القرآن والقراءات حقيقتان متغايرتان؛ فالقرآن هو الوحي المنزل على محمد -صلى الله عليه وسلم- للبيان والإعجاز، والقراءات هي اختلافُ ألفاظ الوحي المذكور في الحروف وكيفيتها من تخفيفٍ وتشديدٍ وغيرهما، ولا بد من التلقي والمشافهة؛ لأن القراءاتِ فيها أشياء لا تُحكم إلا بالسماع والمشافهة

1.3 هل هناك فرق بين القرآن والقراءات؟


وقد سبق أن ذكرنا هذا التعريف عند ذكرنا لتعريف الزركشي -رحمه الله تعالى- للقراءات
قال الشيخ محيسن -رحمه الله- تعقيبًا على هذا التعريف: ولكني أرى أن الزركشي مع جلالة قدره قد جانبه الصواب في ذلك، وأرى أن كلًّا من القرآن والقراءات حقيقتان بمعنًى واحدٍ، يتضح ذلك بجلاء من تعريف كل منهما، ومن الأحاديث الصحيحة الواردة في نزول القراءات

1.3 هل هناك فرق بين القرآن والقراءات؟


القرآن مصدر مرادف للقراءة
لذا فهما حقيقتان بمعنى واحد، وقال -صلى الله عليه وسلم- فيما يرويه عبد الرحمن بن أبي ليلى المتوفى سنة اثنين وثمانين من الهجرة، عن أُبي بن كعب -رضي الله عنه- (( أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان عند أضاة بني غفار، فأتاه جبريل -عليه السلام- فقال: إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآنَ على حرف، فقال: أسأل الله معافاته ومغفرتَه، وإن أمتي لا تطيق ذلك، ثم أتاه الثانيةَ فقال: إن الله يأمرك أن تُقرئ أمتك القرآن على حرفين، فقال: أسأل الله معافاته ومغفرته، وإن أمتي لا تطيق ذلك، ثم جاءه الثالثةَ فقال: إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآنَ على ثلاثة أحرف، فقال: أسأل الله معافاته ومغفرته، وإن أمتي لا تُطيق ذلك، ثم جاءه الرابعةَ قال: إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على سبعة أحرف، فأيُّما حرف قرءوا عليه فقد أصابوا )) إلى غير ذلك من الأحاديث الصحيحة -التي سيأتي ذكرها- وكلها تدل دلالة واضحة على أنه لا فرق بين كلٍّ من القرآن والقراءات؛ إذ كل منهما الوحي المنزل على نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-

1.3 هل هناك فرق بين القرآن والقراءات؟


ثم قال الشيخ محيسن -رحمه الله تعالى-:
هناك أدلة على نزول القراءات، لقد تواتر الخبر عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأن القرآن الكريم أُنزل على سبعةِ أحرف، روَى ذلك من الصحابة -رضوان الله عليهم- اثنان وعشرون صحابيًّا، وهم: عمر بن الخطاب، عثمان بن عفان، علي بن أبي طالب، عبد الله بن مسعود، أُبي بن كعب، أبو هريرة، معاذ بن جبل، هشام بن حكيم، عمرو بن العاص، عبد الله بن عباس، حُذيفة بن اليمان، عُبادة بن الصامت، سُليمان بن سُرد، أبو بَكرة الأنصاري، أبو طلحة الأنصاري، أنس بن مالك، سَمُرة بن جندب، أبو جهم الأنصاري، عبد الرحمن بن عبد القاري، المِسوَّر بن مخرمة، أم أيوب -رضي الله عنهم جميعًا-
وقد رَوَوا هذا الحديث سواء أكان ذلك مباشرة منه -صلى الله عليه وسلم- أم بواسطة

1.3 هل هناك فرق بين القرآن والقراءات؟


الأحاديث الصحيحة التي تُعتبر من الأدلة على أن القراءات القرآنية كلها كلام الله تعالى لا مدخلَ للبشر فيها، وكلها منزلة من عند الله على رسوله محمد -صلى الله عليه وسلم- ونُقلت عنه حتى وصلت إلينا دون تحريفٍ أو تغييرٍ:
فالله تعالى خصَّ هذه الأمة دون سائر الأمم السابقة بحفظ كتابها وتكفل بذلك حيث قال: (( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ )) [الحجر: 9] أما الأمم السابقة فقد وَكَل الله تعالى إليها حفظ كتبها المنزلة على أنبيائهم، قال تعالى: (( إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ )) [المائدة: 44] فلما وكل حفظ التوراة إلى بني إسرائيل دخلها التحريف والتبديل، قال تعالى: (( فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ )) [البقرة: 79]

1.3 هل هناك فرق بين القرآن والقراءات؟


أما القرآن الكريم فهو باقٍ إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، لا يندَثِر، ولا يتبدَّل، ولا يلتبس بالباطل، ولا يمسه أيُّ تحريف لما سبق في علمه تعالى
أن هذا الكتاب هو الدستور الدائم الذي فيه صلاح البشرية كلها: (( ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ )) [البقرة: 2]
لقد جاء على هذا القرآن الكريم زمانٌ كثرت فيه الفرق، وعمَّت فيه الفتن، واضطربت فيه الأحداث، ولقد أدخلت هذه الفرقُ على حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الكثيرَ من الأحاديث المكذوبة على النبي -صلى الله عليه وسلم؛ مما جعل المسلمين المخلصين، وبخاصة العلماء الأتقياء يُعملون فكرهم وأقلامَهم؛ لتنقية سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من كل دخول عليها، أما القرآن الكريم فنحمد الله تعالى حيث لم يستطِعْ أحد من أعداء هذا الدين أن يبدّل أيَّ نصّ من نصوصه، أو يدخل عليه أيَّ تحريف أو تغيير بالرغم من حِرصهم على ذلك، ولكنهم ما استطاعوا لذلك سبيلًا

1.3 هل هناك فرق بين القرآن والقراءات؟


فضلا انقر على الأزرار للتفصيل
عن ابن شهاب -رضي الله عنه- قال: حدثني عبيد الله بن عبد الله أن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- حدَّثه أن رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (( أقرأني جبريل -عليه السلام- على حرفٍ واحدٍ، فراجعتُه، فلم أزل أستزيده ويزيدني حتى انتهَى إلى سبعة أحرف ))

1.3 هل هناك فرق بين القرآن والقراءات؟


وعلى هذا، فإنه لا فرقَ بين قراءة وأخرى، ولا يجوز أن نقول: إن هذه القراءة أفضل من القراءة الأخرى، ولا يجوز مثلًا أن نقول: إن قراءة ابن كثير أفضل من غيرها، ولا نقول: إن رواية حفص أفضلُ من غيرها؛ بل القُرَّاء العشرة كل هذه القراءات التي يُقرأ بها منزَّلة من عند الله -تبارك وتعالى-
ونريد أن نبين أن الإنسانَ إذا قرأ بأيِّ قراءة من القراءات التي يُقرأ بها اليوم، أو قرأ بأي رواية، فإنما هي قراءة صحيحة من عند الله -تبارك وتعالى- ولا فرقَ بين قراءة وأخرى