2.2 دوافع التأليف في الاحتجاج، وتاريخه، وبعض كتبه
دوافع التأليف في الاحتجاج
يكاد الباحثون يتفقون على أن دوافع التأليف في الاحتجاج أمران:
فضلا انقر على الزرين للتفصيل
توضيح الأركان الثلاثة للقراءة الصحيحة، وهي صحة السند موافقة العربية ولو بوجهٍ موافقة أحد المصاحف العثمانية، ولو احتمالًا.
الدفاع عن القراءات ولا سيما المتواترة ضد من توهم أن فيها لحنًا، وفي كليهما نظر.
2.2 دوافع التأليف في الاحتجاج، وتاريخه، وبعض كتبه
 |
أما الأول: فإن كتب الاحتجاج لم تُعنَ بنقد أسانيد القراءات التي تعرُض لها، وهي حينما تحتج برسم المصحف لا تفعل ذلك لتوضيح موافقة القراءات لمرسوم الخط، بل لترجّح قراءة على أخرى. |
 |
وأما الآخر: فهو لا يُفسِّر سوى الاحتجاج لمشكل القراءات مما تكلَّم فيه بعض اللغويين وغيرهم، وهو نذرٌ إذا قيس بما وراءه مما لم يُختلف على صحته لفظًا ومعنًى، على أن ممن ألف في الاحتجاج مَن ضعف، وردّ، وخطَّأ، ولحّن، ووهَّم، وردَّ بعضَ القراءات المتواترة، فكيف يُقال عن هؤلاء: إن دافعهم للتأليف في الاحتجاج للقراءات هو الدفاع عنها؟ |
2.2 دوافع التأليف في الاحتجاج، وتاريخه، وبعض كتبه
 |
وكل ما في الأمر أن كتب القراءات لَمَّا كانت كتبَ رواية يُراعى فيها الاختصار؛ تمكينًا للطلبة من حفظها؛ كان أكثرها يخلو من المعاني والعلل، فجاءت كتب الاحتجاج وهي كتب دراية تَشرح ما اختصر فيها. قال مكي -رحمه الله تعالى- في مقدمة كتابه (الكشف عن وجوه القراءات وعللها): كنت قد ألفت بالمشرق كتابًا مختصرًا في القراءات السبع، وسميته كتاب (التبصرة) وهو فيما اختلف فيه القراء السبعة المشهورون، وأدركت فيه عن الحجج والعلل ومقاييس النحو في القراءات واللغات؛ طلبًا للتسهيل؛ وحرصًا على التخفيف، ووعدت في صدره أني سأؤلّف كتابًا في علل القراءات التي ذكرتها في ذلك الكتاب -يقصد كتاب (التبصرة)- أذكر فيه حججَ القراءات ووجوهها، وأسميه كتاب (الكشف عن وجوه القراءات). ثم قال -رحمه الله- موازنًا بين الكتابين: فهذا الكتاب كتاب فَهم وعلم ودراية، والكتاب الأول كتاب نقل ورواية. |
2.2 دوافع التأليف في الاحتجاج، وتاريخه، وبعض كتبه
 |
ومما يشهد أن الدافع للتأليف في الاحتجاج إنما كان شرح كتاب القراءات؛ لِمَا انطوت عليه من إيجاز أن أكثر كتب الاحتجاج بُني على كتاب في القراءات، جُعل متنًا له؛ فـ(معاني القراءات) للأزهري، و(إعراب السبع)، و(الحُجة) لابن خالويه، و(الحُجة) لأبي علي الفارسي -رحمه الله تعالى- وُضعت على كتاب (السبعة في القراءات) لابن مجاهد، و(الكشف) لمكي وضِعَ على (التبصرة)، و(شرح الهداية) للمهدوي وضع على (الهداية)، و(الموضح) لابن أبي مريم وضع على (تبصرة البيان في القراءات الثمان) لأبي الحسن علي بن جعفر السعيدي الرازي، وهذا مما يُفسر تكاثر كتب الاحتجاج بعد تأليف ابن مجاهد كتابه. |
 |
قال محققو كتاب (المحتسب): فكأنما كان تأليف القراء الكتب في جمع القراءات ونسبتها، والبحث عن إسنادها داعيًا لعلماء اللغة أن يؤلّفوا الكتب في الاحتجاج لها، فقد مهَّدت أمامهم السبيلَ، ومدَّت؛ فكان جَمْع القراءات الخطوة الأولى، والاحتجاج لها الخطوة التالية. |
2.2 دوافع التأليف في الاحتجاج، وتاريخه، وبعض كتبه
تاريخ التأليف في الاحتجاج
 |
ارتقى التأليف في الاحتجاج للقراءات من نظرات متناثرة رُويت لنا عن بعض الصحابة، وأئمة القُرَّاء إلى وضع مؤلفات استوعبت القراءاتِ أجمع، وأكثر الصحابة ممن رُوي عنهم هذا الضرب من النظر ابن مسعود -رحمه الله تعالى- المتوفى سنة ثمانٍ وستين من الهجرة، ومنه قوله تعالى: (( قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ )) [البقرة: 259] قال ابن زنجلة: قرأ حمزة والكسائي: "قال اعلم أن الله على كل شيء قدير" جزمًا على الأمر من الله تعالى، وحجتهما قراءة ابن مسعود: "قيل اعلم أن الله على كل شيء قدير". وكان ابن عباس يقرأها أيضًا: "قال اعلم". ويقول: "أهو خير أم إبراهيم، إذ قال له: (( وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ )) " [البقرة: 260]. |
2.2 دوافع التأليف في الاحتجاج، وتاريخه، وبعض كتبه
 |
ومنه قوله تعالى: (( كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ )) [البقرة: 285] قرأ حمزة والكسائي وخلف العاشر، وكتابه بالإفراد، فيقرءون هكذا: "كل آمن بالله وملائكته وكتابه ورسله" وقرأ الباقون: (( وَكُتُبِهِ )) بالجمع، فقال أبو منصور: عن ابن عباس أنه قرأ: "كتابه" وقيل له في قراءته، فقال: "كتاب أكثر من كتب". قال ابن منصور: ذهب به إلى الجنس، كما يقال: كَثُر الدرهم والدينار في أيدي الناس، ومن قرأ: (( وَكُتُبِهِ )) فهو مثل حمار وحُمُر، وغلاف وغلف، ومنه قوله تعالى: (( قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ )) قرأ الكسائي: "قال لقد علمتُ" بالضم، وقرأ الباقون: (( لَقَدْ عَلِمْتَ )) بالفتح. |
2.2 دوافع التأليف في الاحتجاج، وتاريخه، وبعض كتبه
 |
قال ابن خالويه: وبلغ ابن عباس وابن مسعود أن عليًّا قرأ: "لقد علمتُ" فقالَا: (( لَقَدْ عَلِمْتَ )) بالفتح؛ لأن الله تعالى قال: (( وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا )) [النمل: 14] ومنه قوله تعالى: (( مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا )) [نوح: 25] قرأها أبو عمرو: "مما خطاياهم" وقرأ الباقون: "خطيئاتهم" قال ابن خالويه: فأما قراءة أبي عمرو، فإن ابن مجاهد حدثني عن ابن عياش عن ابن أخي الأصمعي عن عمه قال: قال أبو عمرو: إن قومًا كفروا ألف سنة كانت لهم خطيئات، لا؛ بل خطايا. يذهب أبو عمرو إلى أن التاء والألف للجمع القليل، وهو جمع السلامة في المؤنث، وخطايا جمع التكثير، وهو الكثير. |
2.2 دوافع التأليف في الاحتجاج، وتاريخه، وبعض كتبه
 |
ومنه قوله تعالى: (( فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ )) [المرسلات: 23] قرأ نافع والكسائي وأبو جعفر: "فقدّرنا فنعم القادرون" بالتشديد، وقرأ الباقون بالتخفيف: (( فَقَدَرْنَا )) . قال ابن زنجلة: وقيل للكسائي: لِمَ اخترتَ التشديدَ، واسم الفاعل ليس مبنيًّا على هذا الفعل؟ فقال: هذا بمنزلة قوله: (( فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ )) [الطارق: 17]، ثم قال: (( أَمْهِلْهُمْ )) [الطارق: 17] ولم يقل: مهلهم، فجمع بين اللغتين، ومثله: (( فإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا شَدِيدًا )) ولم يقل: تعذيبًا. |
2.2 دوافع التأليف في الاحتجاج، وتاريخه، وبعض كتبه
2.2 دوافع التأليف في الاحتجاج، وتاريخه، وبعض كتبه
2.2 دوافع التأليف في الاحتجاج، وتاريخه، وبعض كتبه
2.2 دوافع التأليف في الاحتجاج، وتاريخه، وبعض كتبه
وهناك من العلماء المعاصرين مَن قاموا بالتأليف في القراءات وحدها، أو في التوجيه وحده، من هؤلاء الشيخ محيسن -رحمه الله تعالى- والشيخ عبد الفتاح القاضي، فلهما مؤلفاتٌ عديدةٌ في القراءات وحدها، وفي كتب التوجيه.