3.3 بيان أن القراءات العشر بعض الأحرف السبعة


نختم هذا الموضوع بما ذكره العلامة ابن الجزري رحمه الله تعالى: في أن القراءات العشر هي بعض الأحرف السبعة:
قال رحمه الله: الذي لا شك فيه أن قراءة الأئمة السبعة والعشرة وما وراء ذلك، بعضُ الأحرف السبعة من غير تعيين. ونحن لا نحتاج إلى الرد على مَن قال: إن القراءات السبعة هي الأحرف السبعة، فإن هذا قول لم يقله أحدٌ من العلماء، لا كبير ولا صغير، وإنما هو شيء ما تبعه العلماء قديمًا وحديثًا في حكايته، والرد عليه، وتخطئة أنفسهم، وهو شيء يظنه جَهَلة العوام لا غير؛ فإنهم يسمعون: (( أُنزل القرآن على سبعة أحرف )) وسبع روايات، فيتخيلون ذلك لا غير.
ونحن لا نتعب أنفسنا كما أتعب مَن قبلنا أنفسهم في ذكره والرد عليه. قال الإمام أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي: وأصح ما عليه الحُذَّاق من أهل النظر في معنى ذلك أن ما نحن عليه في وقتنا هذا من هذه القراءات، هو بعض الحروف السبعة التي نزل عليها القرآن، وتفسير ذلك أن الحروف السبعة التي أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن القرآن نزل عليها يجري على ضربين:

3.3 بيان أن القراءات العشر بعض الأحرف السبعة


أحدهما: زيادة كلمة ونقص أخرى، وإبدال كلمة مكان أخرى، وتقدم كلمة على أخرى، وذلك نحو ما روي عن بعضهم: (( ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم في مواسم الحج )) [البقرة: 198] وروي عن بعضهم: (( حم، سق )) [الشورى: 1، 2] بحذف عين. (( إذا جاء فتح الله والنصر )) [النصر: 1]. فهذا الضرب وما أشبهه متروك لا تجوز القراءة به، ومَن قرأ بشيء منه غير معاند ولا مجادل عليه؛ وجب على الإمام أن يأخذَه بالأدب بالضرب والسَّجن على ما يظهر له من الاجتهاد، ومَن قرأ وجادل عليه ودَعَا الناس إليه وجب عليه القتل؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (( المراء في القرآن كفر )) ولإجماع الأمة على اتباع المصحف المرسوم.
ثم قال رحمه الله: والضرب الثاني ما اختلف القراء فيه بتخفيف وشدّ وإبدال حركة بأخرى، وياء بتاء، وواو بفاء، وما أشبه ذلك من الاختلاف المتقارب. فهذا الضرب هو المستعمل في زماننا هذا، وهو الذي عليه خطّ مصاحف الأمصار سوى ما وقع فيه من الاختلاف في حروف يسيرة. قال: فثبت بهذا أن القراءات التي يُقرأ بها هي بعض الحروف السبعة التي نزل عليها القرآن الكريم استعملت بموافقتها المصحف الذي أجمعت عليه الأمة، وترك ما سواها من الحروف السبعة؛ لمخالفتها لمرسوم خطّ المصحف؛ إذ ليس بواجب علينا القراءة بجميع الحروف السبعة التي نزل عليها القرآن الكريم.

3.3 بيان أن القراءات العشر بعض الأحرف السبعة


ثم قال ابن الجزري -رحمه الله تعالى-: والذي ذهب إليه محمد بن جرير الطبري -رحمه الله- أن كل ما عليه الناس من القراءات مما يُوافق خط المصحف، هو حرف واحد من الأحرف السبعة، فتكون القراءة العَشْر على قوله بعض حرف. قال في كتابه (البيان): واختلاف القراء فيما اختلفوا فيه كالاختلاف. قال: وليس هذا الذي أراد النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: (( أنزل القرآن على سبعة أحرف )) . قال: وما اختلف فيه القراء عن هذا بمعزل؛ لأن ما اختلف فيه القراء لا يخرجون فيه عن خطّ المصحف الذي كُتب على حرفٍ واحدٍ.
قال ابن الجزري -رحمه الله- تعليقًا على ذلك: قلت المصحف كتب على حرف واحد، لكن لكونه جرّد عن النقط والشكل؛ احتمل أكثر من حرف، إذ لم يترك الصحابة إدغامًا، ولا إمالةً، ولا تسهيلًا، ولا نقلًا، ولا نحوَ ذلك مما هو من باقي الأحرف الستة، وإنما تركوا ما كان قبل ذلك من زيادة كلمة ونقص أخرى، ونحو ذلك مما كان مباحًا لهم القراءة به.